القدس والغلاف
الخانق
نبيل محمود
السهلي
صحيفة الشرق الأوسط
1/5/2006
أطلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية مصطلح
غلاف القدس، على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في المدينة المقدسة، للحد من ردة
الفعل المحتملة من أهالي القدس، ويعتبر النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في القدس
جزءاً من الهجمة الاستيطانية في الأراضي العربية، التي كان من أهم صورها الاستمرار
في بناء الجدار العازل، حيث قطعت الحكومة الإسرائيلية شوطاً كبيراً في بنائه،
ليبتلع قسماً كبيراً من الأراضي الفلسطينية ويعزل المدن والقرى عن بعضها البعض؛
وأكدت المصادر الإسرائيلية والفلسطينية، على حد سواء، على وصول العمل في إنشاء ما
يسمى «غلاف القدس» إلى مراحل متقدمة، لابتلاع المزيد من الأراضي في عمق الضفة
الغربية الفلسطينية لصالح بلدية القدس الإسرائيلية، وطرد ما أمكن من الفلسطينيين
وعزل الآخرين عن أهاليهم في مدن الضفة الفلسطينية.
وتشير المعطيات إلى أن الغلاف العنصري
المذكور سيؤدي في نهاية المطاف إلى ابتلاع نحو ربع مساحة الضفة الفلسطينية، وعزل
أكثر من مائتي ألف فلسطيني مقدسي عن ذويهم في باقي مناطق الضفة الفلسطينية، وقد
صادر الجيش الإسرائيلي من أجل الأعمال المباشرة في البناء (16) ألف هكتار من
الأراضي الفلسطينية تمثل نحو (2.5) في المائة من مساحة الضفة الفلسطينية، أما
الجدار العازل فسيصادر في نهاية المطاف (58) في المائة من مساحة الضفة الفلسطينية،
بحيث تصبح في الجانب الإسرائيلي، من خلال سحب الخط الأخضر شرقاً في عمق الضفة
الفلسطينية، وتبقى المساحة المخصصة للدولة الفلسطينية المطروحة (42) في المائة من
مساحة الضفة، بعد استبعاد مساحة القدس الشرقية التي تشكل نحو ربع المساحة الإجمالية
للضفة الفلسطينية.
وقد واكب النشاط في بناء الجدار
العنصري، استصدار قرار في الكنيست الإسرائيلي، يعتبر الضفة مناطق غير محتلة، فضلاً
عن ذلك تحاول السلطات الإسرائيلية تحقيق أهداف ديموغرافية من وراء بناء الجدار،
تتمثل بداية في عزل القسم الأكبر من سكان الضفة والقطاع (3.Cool مليون فلسطيني عن
أهلهم داخل الخط الأخضر (1.2) مليون فلسطيني، ولتدعيم هذا التوجه استصدر الكنيست
قراراً آخر، يمنع من خلاله التزاوج بين الفلسطينيين في المناطق المحتلة عامي 1948
و1967، كما نشر الجيش الإسرائيلي مائة معزل إسمنتي بين القرى والمدن
الفلسطينية.
ومن جهة أخرى وللإطباق على مدينة
القدس، أعلن في "إسرائيل" عن خطة إسرائيلية لإقامة (20) ألف وحدة استيطانية، وتمنح
وزارة المالية الإسرائيلية (23) ألف دولار للعائلة اليهودية التي توافق على تنفيذ
المخطط المذكور، ويرمي هذا المخطط إلى تهويد المدينة ديموغرافياً وجغرافياً وتغيير
ملامحها العربية، هذا في وقت دعت فيه قوى سياسية إسرائيلية، خاصة حزب موليدت
اليميني إلى طرد (200) ألف فلسطيني من أرضهم في القدس الشرقية، وفي هذا السياق يذكر
أن العصابات الصهيونية كانت طردت تحت وطأة المجازر في عام 1948 نحو مائة ألف
فلسطيني من مدينة القدس، كما طرد الجيش الإسرائيلي خمسة عشر ألفاً منها إبان
احتلاله القسم الشرقي في حزيران من عام 1967. وقد توضحت مواقف القادة الإسرائيليين
من قضية القدس لجهة تهويدها خلال مؤتمرات هرتسيليا المنعقدة خلال الفترة بين
الأعوام (2000-2006). وكذلك في برامج الأحزاب الإسرائيلية عشية انتخابات الكنيست
السابعة عشرة التي جرت في الثامن والعشرين من آذار من العام الجاري
2006.
والمتتبع للشأن الإسرائيلي بشكل عام
يلحظ أنَّ هناك ثمة جدراناً عنصرية إسرائيلية تجاه العرب داخل الخط الأخضر وفي
الضفة والقطاع، سبقت البدء في بناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي سيبتلع
المزيد من أراضي الضفة الفلسطينية، ويوسع الخط الأخضر باتجاه الشرق لتقويض أي فرصة
لإنشاء دولة فلسطينية على كامل مساحة الضفة والقطاع البالغة اثنين وعشرين في المائة
من مساحة فلسطين التاريخية من جهة، ويحد من خطر الهاجس الديموغرافي الذي أرق
المخططين والاستراتيجيين في "إسرائيل" من جهة أخرى. ويحاصر آمال الفلسطينيين في
دولة وعاصمتها القدس الشريف.
* كاتب فلسطيني من دمشق