قوله صلى الله عليه وسلم : ( تعرض الأعمال في كل إثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك به شيئا ، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا
) رواه مسلم. وشدد في النهي فقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى
يدعوه ) صحيح الجامع 771 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض إلا المشرك أو مشاحن ) صحيح الجامع 4268 ، وبين صلى الله عليه
وسلم أن من صفات النفاق المبالغة في الخصام كما في قوله : ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن
خان وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) متفق عليه ، ومعنى إذا خاصم فجر: أي بالغ في الخصومة، وشدد صلى الله عليه وسلم على المبالغة فقال: ( لا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار) رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري. ، وشدد أكثر حيث اعتبر المبالغ قاتلا فقال صلى الله عليه
وسلم : ( من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ) رواه أبو داود بإسناد صحيح .
الخِصام بين الناس مَنهي عنه فوق ثلاث ليالٍ، كما صح في الحديث، وخير المُتخاصمين من يبدأ بالصلح ، والنهي شديد عن رَفْضِ الاعْتَذَار عن الخِصَام، وجاء في الحديث "من اعتذر
إلى أخيه المسلم فلم يقبل عُذْره، لَمْ يَرِدْ عَلَى الْحَوْضِ" رواه الطبراني في الأوسط.
وأشد ما يكون الخِصام سوءًا إذا كان بين الأقارب؛ لأنَّ فيه مَعصية أخرى، هي قطيعة الرَّحِم، وقطيعة الرَّحِم من الذُّنوب الكبيرة، والنصوص فيها كثيرة، ومن أجل هذا ينبغي أن يتحمل
المسلم أكثر ما يتحمل إذا كانت المُضايقات من أقاربه، ولا ينبغي أن يقابلهم بمثل إساءتهم خِصامًا وقطيعة، فالحديث في هذه الحالة يُؤَكِّد عدم القطيعة.
ومما ورد في النص على ذلك ما رواه الطبراني وابن حبان في صحيحة عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: أوصاني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِخِصَال، وذكر منها : وأوصاني أن
أصل رحمي وإن أَدْبَرت. وما رواه البخاري وغيره "ليس الواصل بالمكافئ، ولكنَّ الواصل الذي إذا قطعتْ رَحِمه وَصَلَهَا".
ومن الحوادث التي تُشْبِه ما جَاء في السؤال ما ذَكَرَه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً قال : يا رسول إن لي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقْطَعُوني وَأُحْسِن إِلَيْهِمْ وَيُسِيئونَ إِليَّ، وأَحْلم عليهم
ويجهلونَ عليَّ، فقال "إن كنت كما قلت فكأنما تُسفهم المَلَّ، ولا يزال مَعَك من الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ ما دُمْتَ على ذلك" رواه مسلم. والمَلُّ هو الرَّمَادُ الحَار، وهو تشبيه ما يلحقهم من
الإثم بما يلحق آكل الرَّماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المُحسن إليهم لكن ينالهم إثمٌ عظيم بتقصيرهم في حَقه وإلحاقهم الأذى به.
هكذا شرح النووي معنى الحديث، وأقول لصاحب السؤال: استمر على صلةِ رَحِمِكَ على الرغم من مَوْقِفِهِم منك، وادع الله لهم بالهادية، كما دعا الرسول لأهل مكة، ولا تُقَصِّر في
حقهم، بل اجعل حَبْلَ الصِّلَة مَمْدودًا ولَوْ بأقلِّ ما يمكن. واقرأ قول الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (سورة فصلت : 34، 35