الترامواي الذي سيثبت ضم القدس
حياة
الحويك
عطية
صحيفة
الخليج
الإماراتية 19/4/2006
بعد
الملف
اللبناني - السوري، وبعد الملف الإيراني، وبعد ملف التعاون
في ما
يسمى عملية مكافحة الإرهاب. هل بدأت فرنسا تعود إلى الصف
الأمريكي في
ما يخص الملف الفلسطيني؟
في
الملف
اللبناني لم تكن واشنطن أكثر حدة من باريس، وبخصوص إيران كان
دوست
بلازي هو المتبرع بأكثر التصريحات عنترية ضد طهران، لتأتي
قبيل أيام
فضيحة استعمال طائرات السي أي إيه للمطارات الفرنسية، خاصة
مطاري
برست ولو بورجيه لنقل السجناء المختطفين من مختلف أرجاء
العالم إلى
سجون الوكالة في أوروبا الشرقية والغربية. غير أن التحول
إزاء فلسطين
يتخذ شكل صفقة من نوع آخر، صفقة يبدو فيها أن الدولة العبرية
قد
اشترت الموقف الفرنسي من خلال الاقتصاد. ففي حين تعيش فرنسا
أزمة
اقتصادية كبيرة تقع في أساس الاختناق الاجتماعي والاحتقان
السياسي،
جاءت "إسرائيل" تمد لها مشروعين ضخمين: الأول بقيمة بضعة
ملايين من
الدولارات والثاني بقيمة مليار وربع مليار دولار. وإذا كان
الاتفاق
الأول قد وقع وانتهى الأمر فإن الثاني يظل عصاة وجزرة بيد
الحكومة
"الإسرائيلية"، تضمن به عدم الشطط في السياسة الفرنسية،
وربما
تستعمله في التأثير على المعركة الرئاسية القادمة.
غير
أن ما
يهمنا نحن في الموضوع أن كلا المشروعين يهدفان إلى تثبيت
الأمر
الواقع بشأن الاحتلال والجدار، وعلى الأخص بشأن القدس. إذ إن
دولة
الاغتصاب وهي تعمل الآن على الإفادة من المرحلة التي يعيشها
العالم
والعالم العربي بشكل خاص لتثبيت واقع الاقتطاع والضم في
الأرض
المحتلة فإنما تضع في أول وسائل هذا التثبيت إنشاء شبكة قوية
من طرق
المواصلات، عابرة من الطرق البرية التقليدية إلى شبكة من
الترامواي
ومن ثم "الاندرغراوند". أول هذه المشاريع هو شبكة ترامواي
يبلغ طولها
ثلاثة عشر كيلومتراً، تمتد من المستوطنات إلى القدس إلى
حيفا، بحيث
تبدأ من "بيسكات زئيف" وتنتهي في حيفا عابرة "فرانش هيل"
و"جبل
هرتزل". وتقوم بعزل بعض المناطق الفلسطينية خاصة مخيم شعفاط
الذي يضم
38 ألف فلسطيني. أما هدفها السياسي الأول فهو تثبيت واقع
الجدار
وتدعيم الضم في الضفة وإطباق السيطرة على القدس في سبيل
تحقيق هدف
القدس الكبرى. وتحقيقاً لحلم تيودور هرتزل بجعل القدس مدينة
حديثة،
كما أعلن عند انطلاق المشروع عام 2004 وحدد له موعدا لدخول
التنفيذ
كي يكون جاهزاً عام 2008.
القضية
الخطيرة في عملية تنفيذ هذا المشروع أنه سيثبت على الأرض
مسألة ضم
القدس الكبرى، إضافة إلى أراض أخرى اقتطعها الجدار، أما من
سينفذه
فشركتان فرنسيتان تنضويان تحت كونسرتيوم يحمل اسم سيتي باس.
الشركتان
هما التسون وكونّكس وهما مرتبطتان بثلاث شركات "إسرائيلية"
مقابلة.
تعهدتا بتسليم الشبكة جاهزة في الموعد المحدد، ومن ثم ينص
العقد على
أن تحتفظ إحدى الشركتين (مع شريكتها "الإسرائيلية" بإدارته
وتسييره
لمدة ثلاثين عاماً).
من
الجانب
السباسي يعتبر هذا المشروع بالغ الخطورة خاصة فيما يخص القدس
لأنه
مساهمة رهيبة فيما نسميه إرساء الأمر الواقع على الأرض
الفلسطينية.
كما أنه من جانب آخر ينشئ تشابكاً فعلياً في المصالح بين
دولة عضو في
مجلس الأمن وأساسية في السياسة الدولية ودولة الاحتلال. خاصة
وأن
الفرنسيين سينفذونه وعينهم على المشروع الآخر الذي يلوح لهم
به
شايلوك، وهو شبكة موصلات تشمل كل الأرض المحتلة وتبلغ كلفتها
ما يزيد
على المليار دولار.
ومن
الجانب
القانوني لا يمثل هذا القانون خرقاً للقوانين والقرارات
الدولية من
قبل "إسرائيل" فحسب، وإنما من قبل الحكومة الفرنسية نفسها.
فقرار
مجلس الأمن رقم 465 لعام 1980 ينص على أنه لا يجوز للدول أن
تقدم
أية مساعدة يمكن أن تستعمل في تنفيذ سياسة ضم الأرض المحتلة،
ومثله
قرارات محكمة العدل الدولية. وبما أن الحكومة الفرنسية تعرف
جيداً
ذلك فقد ادعت أن لا سلطة لها على القطاع الخاص غير أن
الحقيقة أن
الدولة تملك 12 في المائة من الشركتين المذكورتين، وهي
بذلك
المساهم الأول في رأسمالهما، إضافة إلى أن رئيس الوزراء
السابق
رافارين قد تباهى في أحد خطبه، خلال زيارته لـ"إسرائيل" بهذا
المشروع
الذي يجسد التعاون بين باريس وتل أبيب، وأن السفير الفرنسي
في
"إسرائيل" جيرار ارو قد حضر مراسيم توقيع الاتفاقية في مكتب
شارون
نفسه في 17 يوليو/تموز الفائت.
خطاب
رافارين
المذكور يثبت أن فرنسا لم تسكت عن الاتفاقيتين إلا وعينها
على
الاتفاقية الأخرى الكبيرة، اتفاقية المليار، وعلى مشروع آخر
هو مشروع
فيوليا في عسقلان المتعلق بتحلية مياه الشرب.
أما
ردات
الفعل العربية، فشبه غائبة: محمود عباس أثار الأمر مع الرئيس
الفرنسي
ولكن من دون فائدة، وناصر القدوة عبر عن قلقه، وسائر العرب
يغطون في
نوم عميق لا يعكره القلق، لأنهم لو أرادوا لاستطاعوا مد
الجزرة
والعصاة إلى فرنسا والى أية جهة أخرى تقدم على ما أقدمت
عليه. لذلك
علق مدير الكونسرتيوم بأن الاحتجاجات التي نظمها بعض
الأوروبيين ضد
المشروع لن تكون أكثر من زوبعة في فنجان، لا تلبث أن تنسى.
وفي هذا
الوقت يفرك المسؤولون اليهود أيديهم لنجاح الصفقة المزدوجة:
شراء
موقف فرنسي، وتطبيق مقولة بيسمارك: لست أنا من وحد ألمانيا
بل طرق
المواصلات.